عناصر:
1-
أصل المثل ومن قائله
2-
اختلاف مفهوم الشجاعة بمرور الزمن
3-
ما هي الشجاعة
4-
مراتب الشجاعة (انواع الشجاعة)
5-
اركان الشجاعة
6-
سمات الشجعان
7-
كيف نكسب الشجاعة
8-
الشجاعة مفتاح تحقيق الطموحات والنجاحات في
الحياة
9-
الشجاعة سلوك فطري و مكتسب
10-
موقف الاسلام من الشجاعة
11-
رجال شجعان خلد اسمائهم في صفحات التاريخ
مقدمة:
الشجاعة من أبرز الصفات التي تغير حياة
الإنسان إلى الأفضل، وتقوم فسلفة الشجاعة على القوة الداخلية التي يجب أن تكون في
داخل كلّ شخص حتى يكون قادرًا على تحمّل المصاعب برباطة جأش وثبات كبيرين،
فالشجاعة هي القدرة على الثبات في وجه الأحداث والقدرة على المواجهة، والجرأة في
عمل الأشياء وقولها، وهي أنواعٌ عدة، فالشجاعة قد تكون أحيانًا بالكلام وأحيانًا
تكون بالصمت، لهذا فهي مقترنة بالمواقف والأحداث وليس لها تعريف مطلق، كما أنّ
الشجاعة قد تكون صفية فطرية موجودة في الشخص منذ ولادته، وقد تكون شجاعة مكتسبة
يتعلمها الإنسان بفضل الأحداث التي تمرّ به أو بسبب طريقة تربيته أو البيئة التي
يعيش فيها الإنسان. تختلف قوّة الشجاعة بين شخص وآخر باختلاف العديد من العوامل،
فالبعض قد يكون شجاعًا ولا تظهر شجاعته إلّا تحت ظرف معين، بينما الآخر قد يكون
شجاعًا في كلّ المواقف حتى بات يُعرف بهذه الصفة، خاصة أنّ شجاعة البعض تكون بينهم
وبين أنفسهم عندما يواجهون الأمراض والآلام والمصائب بقوة وعزيمة وثبات ورباطة جأش
دون أن يشعر بهم أحد، والبعض تكون لديه شجاعة أخلاقية تمنحه القدرة على مواجهة عدد
كبير من الناس ليدافع عن فكر ما أو حق ما رغم كل الظروف والإحباطات المحيطة،
والدليل على هذا القصص الكثيرة التي مجدت الشجاعة منذ القدم، وكيف أنها انتصرت
للشجاع ومجدته.
الشجاعة ليس لها علاقة بالقوة الجسدية فقط،
بل هي جزء منها لكنها ليست الأساس، فالشجاعة تكون في معظم الأحيان في العقل وطريقة
التفكير، وكيف يتحاور الإنسان مع نفسه، وقد تكون الشجاعة في الجرأة في اتخاذ
القرار، وأن يُصر الشخص على موقفه إن كان صحيحًا، لكن الشجاعة في موقفٍ خاطئ لا
تعدّ شجاعة بشكل حرفي وإنما هي نوعٌ من الإصرار على الخطأ، لذلك حتى يكون الإنسان
شجاعًا يجب أن يكون تصرفه مبنيًا على شيءٍ صحيح، وأن يتحكم عقله بتصرفاته قبل أن
يتسرّع ويتصرف بطريقة شجاعة بدنية فقط، لهذا الشجاعة محكومة بالعديد من الأمور والقوانين
التي يجب أن تكون موجودة حتى تكون في محلّها.
الموضوع:
أصل المثل
ومن قائله:
هذا المثل من الامثلة الفارسية وقائله غير
معروف ومن يعرف اسمه يفيدني في التعليقات
اختلاف مفهوم
الشجاعة بمرور الزمن:
اختلفت فلسفة الشجاعة من قبل عنها في الوقت
الحاضر، ففي السابق كان الإنسان البدائي ينظر للشجاعة في مواجهة الطبيعة وما في من
حيوانات وكوارث طبيعية، باعتبار أن الشخص القادر على هزيمة أسد أو نمر على سبيل
المثال هو الأكثر شجاعة والقادر على الحماية، وتطوّر مفهوم الشجاعة مع الوقت حتى
أصبح أكثر شمولية، فقد أصبحت الشجاعة بعد ذلك تتمثّل بأن يكون الإنسان قادرًا على
تأمين حاجياته دون أن يعتمد على أحد، خاصة أنّ تأمين الطعام في السابق كان يعتمد
على ما يأتي به الرجال من صيد للحيوانات، وبالتالي بدأ الناس يربطون مفهوم الشجاعة
بالرجل بالمعنى الدقيق للكلمة، ويعدّون القوة من أهم سمات الشجاعة.
على الرغم من اقتران صفة الشجاعة من قبل
بالرجال عمومًا وأنهم الأكثر قوة ورباطة جأش وثبات، إلّا أنّ مفهوم الشجاعة أصبح
اليوم لا يتعلق بعمر أو جنس أو مكان أو زمان، فهناك نساء شجاعات أظهرن قوة كبيرة
في المواجهة، وهناك أيضًا أطفال شجعان أثبتوا أنهم قادرين ولديهم الكثير من القوة،
كما يصف الناس بعض الحيوانات بوصف الشجاعة ويعدّونها الأكثر قوة ومواجهة في الدفاع
عن نفسها أمام الحيوانات الأخرى كالأسد والنمر والفهد، والكثير منها أصبح مضربًا
للمثل.
ما هي الشجاعة:
التعريف:
الشجاعة صبر ساعة.. مثل لا يحتاج الى تأويل،
والشجاعة منبتها القلب ومرساها العقل، وكما يراها هيمنغواي.. صبر جميل على الشدائد
وهي تختلف عن التهور في أنه لا يحسب عقباه بل وليد اللحظة وبالتالي تدفع ثمنها».
الشجاعة من أروع وأنبل الصفات التي تحلّى بها
العرب، فهي قوة في النفس وثقة بالله، وهي القدرة على مواجهة الصعاب والمخاطر
والظلم والقهر، والتغلّب على مصاعب الحياة بإيمان وصبر وتحمّل وعدم الضعف
والاستسلام،
يُطلق الناس لفظ الشجاعة بطرقٍ عدة، فأحيانًا
يصفونه بالشجاع أو البطل أو الباسل، الشجاعة لها مراتب عديده. كما أنّ العرب
يفتخرون بصفة الشجاعة منذ القدم وبجميع مراتبها، ويعدّون الشجاع بمثابة البطل،
خاصة أنّه يستطيع الإقدام على فعل الكثير من الأشياء التي يعجز عنها غيره ولديه
روح المغامرة، والشجاع الحقيقي هو الذي ينتصر للحق ضدّ الباطل عكس الجبان المتخاذل
الذي يتلعثم أمام من هو أقوى منه قولًا وفعلًا، ولا يستطيع أن يعبر عن أي شيء لأنه
لا يملك الجرأة أبدًا.
الفرق بين الشجاعة والتهور
التهور هو: اي شيء غير مدروس في هذه الحياة يصبح طيشا وتهورا
والشجاعة هي الاستطاعة على اخذ القرار في الزم اللحظات، وفيها يتم تشغيل العقل
والقلب، ويقال فلان فقد صوابه اي لم يعد يميز او يحسب للأمور حسابا وبالتالي عند
هدوء الاعصاب يقول ليت الذي جرى ما كان، لذلك عندما تتحدث عن الشجاعة فهي المبادرة
بالوقت اللازم وبالشكل الذي يناسب الحالة وما بعدها وهنا اتذكر بيتا لأحمد شوقي:
إن الشجاعة في الرجال غلاظة ... ما لم تزنهــا رأفـــة وســـخـــــاء
إن الشجاعة في القلوب كثيــــرة ... ووجدت
شجعان العقول قليل
رتب الشجاعة في الرجال جلائل ... واجلهــــــــن شـــــــــجاعة
الآراء
فالشجاعة برأيه هي السياج المنيع للمجتمع وللشخص وإنجاز الأمور
الإيجابية أو دفع الأمور السلبية، وهي تكون في الأقوال والأفعال، وهي الصبر
والقدرة على التغلب على رهبة المواقف. اما التهور فليس به من الشجاعة شيئا لأنه
بعيد عن اعمال العقل، وفيه يتم تغييب النتائج المترتبة عليه، لذلك الشجاع لا يضرب
ولا يسب عكس الطائش الذي يستخدم جسده وقوته ويكون معول هدم. فالشجاعة فطنة والفطنة
صفة الذي يستحضر نتائج الامور قبل وقوعها
ليست حكرا على الرجال
الشجاعة ليست لها صلة بقوة البدن أو اللسان،
بل أصلها يكون في القلب، فعند ثبات القلب وصبره وسكونه وشدته على المخاوف تتولد
الشجاعة. ويكمن الفرق بين التهور والشجاعة في أن الشجاعة هي من القلب، بينما التهور
هي إقدام سببه اللامبالاة وعدم النظر في العاقبة والاندفاع بدون تفكير ولا حكمة.
ليست معادلة
ان الشجاعة لا تحتاج معادلة كيميائية
لتحقيقها ولا تحتاج فلزات او معادن فقط ، تحتاج خبرة ودراية ، فالحديث الشريف
يقول: ليس الشديد بالصرعة ، خير دليل على ان الشجاع هو الذي يصبر ويفكر ولا يستعجل
الامور ، هذا على الصعيد الشخصي فما بالك اذا كان هذا الشجاع قائدا فإنه سيجنب
شعبه ويلات الحروب والدمار، اما اذا كان طائشا فالويل لأمته لأنها هي التي ستشرب
كأس موتها بيده فلا صوت يعلو على صوته وتتضخم اناه حتى يصبح فرعونا , فهنا الطامة
وحتى لو أخذنا الأمر على البيت لترتبت عليه النتائج نفسها، الرجل العاقل هو من
يحافظ على بيته والرجل المتهور او المرأة لكي لا نظلم احدا يساهمان في خراب عشهما
والابناء يحصدون زرع والديهما.
فانا اؤكد ان
التهور إقدام سببه قلة المبالاة وعدم النظر في العاقبة والاندفاع بدون حساب اما
الشجاعة فهي كل الصفات الحميدة إذا اجتمعت في شخص فهي الشهامة والنخوة واغاثة
الملهوف ومساعدة الغير وابعاد الشر.
مراتب
الشجاعة (انواع الشجاعة)
تتعدد مراتب الشجاعة:
1. وأوّل مراتب
الشجاعة وأعظمها هي الدفاع عن الحق في سبيل الله، أي الجهاد الذي يكون فيه الإنسان
مستعدًا للتضحية بروحه في سبيل الله تعالى، بحيث يكون مهيأ للموت في أي لحظة دون
أن يسأل.
2. ومن الشجاعة
أيضًا أن يعمل الإنسان في أعمال يواجه فيها خطر الموت دون خوف مثل عمل رجال
الإطفاء وعمل رجال الشرطة، فهذه الأعمال تحتاج إلى قوة وثبات ورباطة جأش كبيرة.
3. من مراتب
الشجاعة أن يحتفظ الإنسان بحضور ذهنه وقوة تركيزه عند الشدائد، بحيث لا يُصاب
العقل بالتشتت والضياع.
4. وهناك أيضًا
الشجاعة الأدبية التي يقول فيها الإنسان رأيه وما يظنه بأنه الحق دون أي يخاف لومة
لائم، وأن يعترف بالخطأ دون خوف من العقوبة أو من أي أحد.
5. من اجل أنواع
الشجاعة الشجاعة التي تكون نصرةً للمظلوم ضدّ الظالم، مما يُشعر المظلوم بالأمان
والاطمئنان، ويعرف أنّ حقه سيعود إليه.
6. ومن مراتبها
أيضًا الصبر على الشدائد والمحن، سواء في وقت الموت أم في المصائب التي تحدث في
الحياة على نحو مفاجئ، فالبعض يفقدون صوابهم وصلابتهم وجأشهم، ويتصرفون بطريقة
توحي بأنّ الحياة انتهت بالنسبة لهم، لهذا فوجود الشجعان في أيّ مكان يجعلهم علامة
فارقة ومميزة بين الحضور دون وجود أي خوف.
اركان الشجاعة
الشجاعة تتكون نتيجة تضافر عدة عوامل وهي
البدن والايمان والعقل
الايمان بالله عز وجل:
الشجاعة نستمدها من الله عزوجل فالإنسان
عندما يؤمن بالله ويؤدى ما عليه من عبادات تعظم في نفسه الدار الأخرة ويزهد في
الدنيا دار الشقاء ويصبح الموت الذي هو أكبر مخاوف البشرية مجرد اداه تنقله الى
دار أحسن من داره واهل أحسن من اهله وبهذا نكون ملكنا الشجاعة من منبعها الأساسي
فبها لا نخشى في الله لومة لائم ونستطيع التصدي للظلم والجور والعدوان وبها نستطيع
نصرة المظلوم وتفريج كرب العباد بدون الخوف من بطش أي ظالم.
إن الحديث المشار إليه رواه
الإمام أحمد وأبو داود وغيرهما عن ابن الديلمي قال: أتيت أُبيّ بن كعب فقلت له وقع في نفسي
شيء من القدر فحدثني بشيء لعل الله أن يذهبه من قلبي؟ فقال: لو أن الله عذب أهل
سماواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم كانت رحمته خيرا لهم من
أعمالهم، ولو أنفقت مثل أحد ذهبا في سبيل الله ما قبله الله منك حتى تؤمن بالقدر،
وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك ،وأن ما أخطاك لم يكن ليصيبك، ولو مت على غير هذا
لدخلت النار. قال: ثم أتيت عبد الله بن مسعود فقال مثل ذلك، قال ثم أتيت حذيفة بن
اليمان فقال مثل ذلك، قال: ثم أتيت زيد بن ثابت فحدثني عن النبي صلى الله عليه
وسلم مثل ذلك"
صححه الألباني.
ومعنى
جملة "ما أصابك..." أي ما حصل لك من الخير والنعم، أو الشر والنقم وما
قدره الله تعالى لك أو عليك، لم يكن ليجاوزك إلى غيرك، وما قدر أنه لا يصيبك فإنه
لن يصيبك أبدا.
المسلم إذا قرأ القرآن والسنة لا شك أنه
يطمئن عند كل المخاوف والمصائب لأن الله عز وجل يقول (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ
خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا
تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ
كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ
قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ) سورة الزمر صفحة 462 ايه 37
حسبي الله أي كأفيني الله عز وجل، اطمئنان
وأمن بأنه لن يضرك شيء إلا ما كتبه الله لك، فرزقك سيأتي وعليك أن تتوكل على الله
وتطمئن.
العامل البدني:
ان الانسان عندما يهتم بصحته تكون له المقدرة
على مواجهة الصعاب بكفائه منقطعة النظير وطريح الفراش لا يستطيع فعل شيء سواء
الصبر على المرض وهذا من انواع الشجاعة وهذا امر مقيد للإنسان لان في حالة الصحة
يستطيع القيام بالعديد من الامور مثل دفع الظلم ........الخ.
العامل العقلي:
يجب على الشجاع ان يتمتع بذكاء حتى يتعامل مع
المشكلات ويستطيع حلها ويستطيع التحكم بمشاعره السالبية حتى لا تسيطر عليه وتثبط
عزيمته عن اكمال العمل الذي شرع في تنفيذه.
سمات
الشجعان:
ولكن
هل الشجاع يخاف؟ إنّ الشجاع لا يخاف، لأنّ أهم سمات الشجاع عدم الخوف، لأنه يعلم
تمامًا أن الروح والحياة والموت كلها بيد الله تعالى ولن يستطيع أحدٌ أن يسلبه
إياها إلًا بأمر الله، فلا داعي لأن يفكر بالعواقب، عكس الجبان الذي يكثر من
الحسابات والتحليل ويدمن التفكير في مصيره.
وأبرز مثال على ذالك قصة الراهب والساحر والغلام:
عن صهيب بن سنان الرومي رضي الله عنه مرفوعا:
«كان ملك فيمَن كان قَبلَكم وكان له ساحِر فَلَمَّا كَبِرَ قال للمَلِكِ: إنِّي قد
كَبِرْتُ فَابْعَثْ إلى غلامًا أُعَلِّمْهُ السِّحْر؛ فبعث إليه غلامًا
يُعَلِّمُهُ، وَكانَ في طرِيقِهِ إِذَا سَلَكَ رَاهِبٌ، فَقَعدَ إليه وسَمِعَ
كَلامَهُ فَأعْجَبَهُ، وكان إذا أتَى السَّاحِرَ، مَرَّ بالرَّاهبِ وَقَعَدَ إليه،
فَإذَا أَتَى الساحر ضَرَبَهُ، فَشَكَا ذلِكَ إِلَى الرَّاهِب، فَقَالَ: إِذَا
خَشِيتَ الساحر فَقُل: حَبَسَنِي أَهلِي، وَإذَا خَشِيتَ أهلَكَ فَقُل: حَبَسَنِي
السَّاحِرُ . فَبَينَما هو عَلَى ذلِك إِذ أَتَى عَلَى دَابَّةٍ عَظِيمَةٍ قَد
حَبَسَت النَّاسَ، فَقَال: اليومَ أعلَمُ السَّاحرُ أفضَلُ أم الرَّاهبُ أفضَل؟
فَأخَذَ حَجَرا، فَقَالَ: اللَّهُم إن كَانَ أمرُ الرَّاهِبِ أَحَبَّ إليكَ مِن
أمرِ السَّاحِرِ فَاقتُل هذه الدّابَّة حَتَّى يَمضِي النَّاسُ، فَرَمَاهَا
فَقَتَلَها ومَضَى النَّاسُ، فَأتَى الرَّاهبَ فَأَخبَرَهُ. فَقَالَ لَهُ
الرَّاهبُ: أَي بُنَيَّ أَنتَ اليومَ أفضَل منِّي قَد بَلَغَ مِن أَمرِكَ مَا
أَرَى، وَإنَّكَ سَتُبْتَلَى، فَإن ابتُلِيتَ فَلاَ تَدُلَّ عَلَيَّ؛ وَكانَ
الغُلامُ يبرئ الأكمَهَ وَالأَبرصَ، ويُداوي النَّاس من سَائِرِ الأَدوَاء،
فَسَمِعَ جَليس لِلملِكِ كَانَ قَد عَمِيَ، فأتاه بَهَدَايا كَثيرَة، فَقَالَ: مَا
ها هُنَا لَكَ أَجمعُ إن أنتَ شَفَيتَنِي، فقال: إنّي لا أشْفِي أحَدًا إِنَّمَا
يَشفِي اللهُ تَعَالَى، فَإن آمَنتَ بالله تَعَالَى دَعَوتُ اللهَ فَشفَاكَ،
فَآمَنَ بالله تَعَالَى فَشفَاهُ اللهُ تَعَالَى، فَأَتَى المَلِكَ فَجَلسَ إليهِ
كَما كَانَ يَجلِسُ، فَقَالَ لَهُ المَلِكُ: مَن رَدّ عليكَ بَصَرَكَ؟ قَالَ:
رَبِّي، قَالَ: وَلَكَ رَب غَيري؟ قَالَ: رَبِّي وَرَبُّكَ اللهُ، فَأَخَذَهُ
فَلَم يَزَل يُعَذِّبُهُ حَتَّى دَلَّ عَلَى الغُلامِ، فَجيء بالغُلاَمِ، فَقَالَ
لَهُ المَلِك: أيْ بُنَيَّ، قد بَلَغَ مِن سِحرِك مَا تبرئ الأكمَهَ وَالأَبْرَصَ
وتَفعل وتَفعل؟! فَقَالَ: إنِّي لا أَشفي أحَدًا، إِنَّمَا يَشفِي الله تَعَالَى.
فَأَخَذَهُ فَلَم يَزَل يُعَذِّبُهُ حَتَّى دَلَّ عَلَى الرَّاهبِ؛ فَجِيء
بالرَّاهبِ فَقيلَ لَهُ: ارجِع عن دينكَ، فَأَبى، فَدَعَا بِالمنشَار فَوُضِعَ
المِنشارُ في مَفْرق رأسه، فَشَقَّهُ حَتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ، ثُمَّ جِيءَ
بِجَليسِ المَلِكِ فقيل لَهُ: ارجِع عن دِينِك، فَأَبَى، فَوضِعَ المِنشَارُ في
مَفْرِق رَأسِه، فَشَقَّهُ بِهِ حَتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ، ثُمَّ جِيءَ بالغُلاَمِ
فقيلَ لَهُ: ارجِع عَن دِينكَ، فَأَبَى، فَدَفَعَهُ إِلَى نَفَر مِن أصحَابه،
فَقَالَ: اذهبوا بِه إِلى جَبَلِ كَذَا وَكَذَا فَاصعَدُوا بِهِ الجَبَل، فَإِذَا
بَلَغتُم ذِرْوَتَهُ فَإِن رَجَعَ عَن دِينِهِ وَإلاَّ فَاطرَحُوهُ. فَذَهَبُوا
بِهِ فَصَعِدُوا بِهِ الجَبَلَ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ أكْفنيهم بِمَا شِئْتَ،
فَرَجَفَ بهِمُ الجَبلُ فَسَقَطُوا، وَجاءَ يَمشي إِلَى المَلِكِ، فَقَالَ لَهُ المَلِكُ:
مَا فَعَلَ أصْحَابُكَ؟ فَقَالَ: كَفَانِيهمُ الله تَعَالَى، فَدَفَعَهُ إِلَى
نَفَر مِن أَصحَابِه فَقَالَ: اذهَبُوا بِهِ فاحمِلُوهُ في قُرْقُورٍ وتَوَسَّطُوا
بِهِ البَحر، فَإن رَجعَ عَن دِينِه وإِلاَّ فَاقْذِفُوه. فَذَهَبُوا بِهِ،
فَقَالَ: اللَّهُمَّ اكْفِنيهم بمَا شِئتَ، فانكَفَأَت بِهمُ السَّفينةُ
فَغَرِقُوا، وَجَاء يمشي إِلَى المَلِكِ. فقال له الملِك: ما فعلَ أصحابك؟
فَقَالَ: كَفَانيهمُ الله تَعَالَى. فَقَالَ لِلمَلِكِ: إنَّكَ لست بقاتلي حتى
تفعل ما آمُرُكَ به. قَالَ: ما هو؟ قَالَ: تجمع الناس في صعيد واحد وتَصْلبني على
جِذع، ثم خُذ سهمًا من كِنَانَتي، ثم ضَعِ السهم في كَبدِ القوس ثم قل: بسم الله
رب الغلام، ثم ارْمِني، فإنَّكَ إِذَا فَعَلت ذلك قَتَلتَني، فَجَمَعَ النَّاسَ في
صَعيد واحد، وَصَلَبَهُ عَلَى جِذْع، ثُمَّ أَخَذَ سَهْمًا من كِنَانَتِهِ، ثم وضع
السهم في كَبِدِ القوس، ثم قَالَ: بسم الله رب الغلام، ثم رَمَاهُ فَوقَعَ في
صُدْغِهِ، فَوَضَعَ يَدَهُ في صُدْغِهِ فمات، فقال الناس: آمَنَّا بِرَبِّ
الغُلامِ، فأتي المَلِكُ فقيلَ لَهُ: أَرَأَيْتَ مَا كنت تَحْذَرُ قَد والله
نَزَلَ بكَ حَذَرُكَ، قد آمَنَ الناس. فأَمَرَ بِالأُخْدُودِ بأفْواهِ السِّكَكِ
فَخُدَّتْ وأُضْرِمَ فيها النِّيرانُ وقال: من لم يَرْجِع عن دينه فأقحموه فيها،
أو قيلَ لَهُ: اقتَحِم فَفَعَلُوا حَتَّى جَاءت امرأة ومعَها صَبيٌّ لها،
فتَقَاعَسَت أن تَقَع فيها، فقال لها الغُلام: يا أمه اصبِري فإنَّكِ َعلى
الحقِّ».
[صحيح] - [رواه مسلم]
الشرح
هذا الحديث فيه قصة عجيبة: وهي أن رجلاً من
الملوك فيمن سبق كان عنده ساحر اتخذه الملك مستشارًا؛ من أجل أن يستخدمه في مصالحه
ولو على حساب الدين؛ لأن هذا الملك لا يهتم إلا بما فيه مصلحته، وهو ملك مستبد قد
عبَّد الناس لنفسه. هذا الساحر لما كبُر قال للملك: إني قد كبرت فابعث إلى غلاما
أعلمه السحر. واختار الغلام؛ لأن الغلام أقبل للتعليم؛ ولأن التعليم للغلام الشاب
هو الذي يبقي، ولا ينسى. ولكن الله تعالى قد أراد بهذا الغلام خيراً. مرَّ هذا
الغلام يوماً من الأيام براهب، فسمع منه فأعجبه كلامه؛ لأن هذا الراهب- يعني
العابد- عابد لله عز وجل، لا يتكلم إلا بالخير، وقد يكون راهباً عالماً لكن تغلب
عليه العبادة فسمي بما يغلب عليه من الرهبانية، فصار هذا الغلام إذا خرج من أهله
جلس عند الراهب فتأخَّر على الساحر، فجعل الساحر يضربه، لماذا تتأخر؟ فشكا الغلام
إلى الراهب وطلب أمرًا يتخلص به، قال: إذا ذهبت إلى الساحر وخشيت أن يعاقبك فقل:
أخرني أهلي. وإذا ذهبت لأهلك وسألوك فقل: إن الساحر أخَّرني؛ حتى تنجو من هذا ومن
هذا. ففعل، فصار الغلام يأتي إلى الراهب ويسمع منه، ثم يذهب إلى الساحر، فإذا أراد
أن يعاقبه على تأخره قال: إن أهلي أخَّروني، وإذا رجع إلى أهله وتأخر عند الراهب
قال: إنَّ الساحر أخَّرني. فمرَّ ذات يوم حيوان عظيم، وهو أسد، قد حبس الناس عن
التجاوز، فلا يستطيعون أن يتجاوزوه، فأراد هذا الغلام أن يختبر: هل الراهب خير له
أم الساحر، فأخذ حجراً، ودعا الله سبحانه وتعالى إن كان أمر الراهب خير له أن يقتل
هذا الحجر الدابة، فرمى بالحجر، فقتل الدابة، فمشى الناس. فعرف الغلام أن أمر
الراهب خير من أمر الساحر، فأخبر الراهب بما جرى فقال له الراهب: أنت اليوم خير
مني، قد بلغ من أمرك ما أرى وإنك ستبتلي فإن ابتليت فلا تدل علي. وكان الغلام يبرئ
الأكمه والأبرص، ويداوي الناس من سائر الأدواء. فسمع جليس للملك كان قد أصابه
العمى، فأتاه بهدايا كثيرة فقال: ما هاهنا لك أجمع إن أنت شفيتني فقال: إني لا
أشفي أحداً، إنما يشفي الله تعالى، فإن آمنت بالله دعوتُ الله فشفاك.
فآمن بالله تعالى فشفاه الله، ثم جئ بالرجل
الأعمى الذي كان جليساً عند الملك وآمن بالله، وكفر بالملك، فدعي أن يرجع عن دينه
فأبى، وهذا يدل على أن الإنسان عليه أن يصبر. فجيء بالراهب فقيل له: ارجع عن دينك
فأبى فدعا بالمنشار فوضع المنشار في مفرق رأسه فشقه به حتى وقع شقاه، ثم جيء
بالغلام فقيل له: ارجع عن دينك فأبى، فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال: اذهبوا به إلى
جبل كذا وكذا فاصعدوا به الجبل، فإذا بلغتم أعلاه فإن رجع عن دينه وإلا فاطرحوه
فذهبوا به فصعدوا به الجبل، فقال: اللهم اكفينهم بما شئت، فاهتز بهم الجبل فسقطوا،
وجاء يمشي إلى الملك فقال له الملك: ما فعل بك بأصحابك؟ فقال: كفانيهم الله تعالى،
فدفعه إلى نفر من اصحابه فقال: اذهبوا به فاحملوه في سفينة وتوسطوا به البحر، فإن
رجع عن دينه وإلا فاقذفوه، فذهبوا به فقال: اللهم اكفينهم بما شئت، فانقلبت بهم
السفينة فغرقوا، وجاء يمشي إلى الملك فقال له الملك: ما فعل بأصحابك؟ فقال:
كفانيهم الله تعالى، فقال للملك: إنك لن تستطيع قتلي حتى تفعل ما آمرك به، قال: ما
هو؟ قال: تجمع الناس في مكان واحد وتصلبني على جذع، ثم خذ سهما من وعائي الذي أضع
فيه السهام، ثم ضع السهم في وسط القوس، ثم قل: بسم الله رب الغلام، ثم ارمني، فإنك
إذا فعلت ذلك قتلتني. فجمع الناس في صعيد واحد، وصلبه على جذع، ثم أخذ سهمًا من
وعائه الذي يضع فيها السهام، ثم وضع السهم في وسط القوس، ثم قال: بسم الله رب
الغلام، ثم رماه فوقع السهم في صدغه، فوضع يده في صدغه فمات. فقال الناس: آمنا برب
الغلام، فأتى الملك فقيل له: أرأيت ما كنت تحذر؟ قد والله نزل بك ما كنت تحذر، قد
آمن الناس. فأمر بالأخدود بأبواب الطرق فَشُقَّت، وأُوقِدَت فيها النيران وقال: من
لم يرجع عن دينه فأقحموه فيها، أو قيل له: اقتحم، ففعلوا، حتى جاءت امرأة ومعها
صبي لها، فتأخرت أن تقع فيها رحمة بصبيها، فقال لها الصبي: يا أماه اصبري فإنك على
الحق.
وخير دليل على الشجاعة قصة سيدنا موسى عليه السلام:
واجه موسى فرعون بلين ورفق كما أمره الله وحدثه عن الله وعن رحمته
وجنته وعن وجوب توحيده وعبادته وحاول إيقاظ جوانبه الإنسانية في الحديث فألمح إليه
أنه يملك مصر ويستطيع لو أراد أن يملك الجنة وكل ما عليه هو أن يتقي الله ولكن
فرعون استمع إلى حديث موسى ضجرا شبه هازئ وقد تصوره مجنونا تجرأ على مقامه السامي
ثم سأل فرعون موسى ماذا يريد؟ فأجاب موسى أنه يريد أن يرسل معه بني إسرائيل فعجب
فرعون وهو يرى موسى يوجهه بهذه الدعوى العظيمة ويطلب إليه ذلك الطلب الكبير حيث
كان آخر عهد فرعون بموسى أنه رباه في قصره بعد أن التقطوه من اليم وأنه هرب بعد
قتله الرجل الذي وجده يتعارك مع واحد من اتباعه طلب نجدته فما أبعد المسافة بين
آخر عهد فرعون بموسى إذن وهذه الدعوى العظيمة التي يوجهه بها بعد عشر سنين! ومن ثم
بدأ فرعون يذّكره بماضيه ويذكره بتربيته له ويقول له هل هذا جزاء التربية والكرامة
التي لقيتها عندنا وأنت وليد؟ لتأتي الآن لتخالف ديانتنا وتخرج على الملك الذي
تربيت في قصره وتدعوا إلى إله غيره كما ويذكره بحادث مقتل الرجل في تهويل وتجسيم
لكنه لا يتحدث عنها بصريح العبارة حيث قال تعالى: {وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي
فَعَلْتَ} أي فعلتك البشعة الشنيعة فأنت لم تكن وقتها تتحدث عن رب العالمين ولم
تتحدث بشيء عن هذه الدعوى التي تدّعيها اليوم كما ولم تخطرنا بمقدمات هذا الأمر
العظيم.
وهنا ظن فرعون أنه رد على موسى ردا لن يملك معه جوابا إلا أن الله استجاب
لدعاء موسى من قبل فانطلق لسانه حيث قال تعالى: {قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا
مِنَ الضَّالِّينَ} أي فعلت تلك الفعلة وأنا كنت جاهلا، واندفعت اندفاع العصبية لقومي
لا اندفاع العقيدة التي عرفتها اليوم بما أعطاني ربي من الحكمة حيث قال تعالى:
{فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ} أي خفت على نفسي فقسم الله لي الخير فوهب
لي الحكمة وجعلني من المرسلين ويكمل موسى خطابه لفرعون بنفس القوة حيث قال تعالى:
{وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ} أي ما
كانت تربيتي في بيتك وليدا إلا من جراء استعبادك لبني إسرائيل وقتل أبنائهم مما
دفع أمي لوضعي في التابوت وإلقاءه في اليم فتلتقطه فأتربى في بيتك لا في بيت أبوي
فهل هذا هو ما تمّنه علي وهل هذا هو فضلك العظيم ؟ وعند هذا الحد تدّخل فرعون في الحديث
حيث قال تعالى : {قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ} فرد موسى حيث قال
تعالى: {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إن كُنتُم
مُّوقِنِينَ} وهنا التفت فرعون لمن حوله هازئا حيث قال تعالى: {أَلَا
تَسْتَمِعُونَ} فرد موسى متجاوزا سخرية فرعون حيث قال تعالى: {رَبُّكُمْ وَرَبُّ
آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ} وهنا قال فرعون مخاطبا من جاءوا مع موسى من بني إسرائيل
حيث قال تعالى: {إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ} فعاد
موسى يتجاوز إتهام الفرعون وسخريته ويكمل حيث قال تعالى: {رَبُّ الْمَشْرِقِ
وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ} ونلاحظ هنا أن فرعون لم
يكن يسأل موسى عن رب العالمين أو رب موسى وهارون بقصد السؤال البريء والمعرفة إنما
كان يستهزأ ولقد أجابه موسى إجابة جامعة مانعة محكمة حيث قال تعالى: {قَالَ
رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} فهو الخالق ،خالق
الأجناس جميعا والذوات جميعا وهو هاديها بما ركب في فطرتها وجبلتها من خواص تهديها
لأسباب عيشها وهو الموجه لها على أي حال وهو القابض على ناصيتها في كل حال وهو
العليم بها والشاهد عليها في جميع الأحوال لكن لم تؤثر هذه العبارة الرائعة
والموجزة في فرعون ، وها هو ذا يسأل حيث قال تعالى: {فَمَا بَالُ الْقُرُونِ
الْأُولَى} فهي لم تعبد ربك هذا ؟ حيث لم يزل فرعون ماضيا في استكباره واستهزائه، ويرد
موسى هنا ردا يستلفته إلى أن القرون الأولى التي لم تعبد الله والتي عبدته معا، لن
تترك بغير مساءلة وجزاء وكل شيء معلوم عند الله تعالى حيث قال تعالى: {عِلْمُهَا
عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ} وأن الله أحصى ما عملوه في كتاب ولا يغيب عنه شيء
وليطمئن فرعون باله من ناحية القرون الأولى والأخيرة وما بينهما لأن الله يعرف كل
شيء ويسجل عليها ما عملته ولا يضيع شيئا من أجورهم.
وبعد ذلك استلفت موسى نظر فرعون إلى آيات الله في الكون ودار به مع
حركة الرياح والمطر والنبات وأوصله مرة ثانية إلى الأرض وهنا أفهمه أن الله خلق
الإنسان من الأرض وسيعيده إليها بالموت ويخرجه منها بالبعث حيث إن هناك بعثا وسيقف
كل إنسان يوم القيامة أمام الله تعالى ولا استثناء لأحد فسيقف كل عباد الله وخلقه
أمامه يوم القيامة بما في ذلك فرعون وبهذا جاء موسى مبشرا ومنذرا ولكن ذلك لم يعجب
فرعون وتصاعد الحوار بينه وبين موسى فالطغيان لا يخشى شيئا كخشيته يقظة الشعوب
وصحوة القلوب ولا يكره أحدا كما يكره الداعين إلى الوعي واليقظة ولا ينقم على أحد
كما ينقم على من يهزون الضمائر الغافية لذلك هاج فرعون على موسى وثار وأنهى الحوار
معه بالتهديد الصريح وهذا هو سلاح الطغاة عندما يفتقرون للحجج والبراهين والمنطق
حيث قال تعالى: {قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ
الْمَسْجُونِينَ} إلا أن موسى -عليه السلام- لم يفقد رباطة جأشه وكيف يفقدها وهو
رسول الله والله معه ومع أخيه ؟ وبدأ الإقناع بأسلوب جديد وهو إظهار المعجزة حيث
قال تعالى: {قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُّبِينٍ} فهو هنا يتحدى فرعون
ويحرجه أمام ملأه فلو رفض فرعون الإصغاء سيظهر واضحا أنه خائف من حجة موسى حيث قال
تعالى: {قَالَ فَأْتِ بِهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِين} فألقى موسى عصاه في ردهة
القصر العظيمة ولم تكد العصا تلمس الأرض حتى تحولت إلى ثعبان هائل يتحرك بسرعة ثم
أدخل يده في جيبه وأخرجها فإذا هي بيضاء كالقمر.
وبعد ذلك بدأت الجولة الثانية بين الحق والباطل حيث شاور فرعون الملأ
من حوله فيما يجب فعله والملأ هنا لهم مصلحة في أن تبقى الأمور على ما هي عليفهم
مقربون من فرعون ولهم نفوذ وسلطان فأشاروا أن يرد على سحر موسى بسحر مثله فيجمع
السحرة لتحدي موسى وأخاه وحدد الميقات وهو يوم الزينة وهنا بدأت حركة إعداد
الجماهير وتحميسهم حيث تمت دعوتهم للتجمع وعدم التخلف عن الموعد ليراقبوا فوز
السحرة وغلبتهم على موسى والجماهير كما نعرف دائما تتجمع لمثل هذه الأمور أما السحرة
فقد ذهبوا لفرعون ليطمئنوا على الأجر والمكافأة في حال غلبوا موسى فهم جماعة مأجورة
تبذل مهارتها مقابل الأجر الذي تنتظره ولا علاقة لها بعقيدة ولا صلة لها بقضية ولا
شيء سوى الأجر والمصلحة وها هم يستوثقون
من الجزاء على تعبهم ولعبهم وبراعتهم في الخداع وها هو ذا فرعون يعدهم بما هو أكثر
من الأجر يعدهم أن يكونوا من المقربين إليه لأنه هو الملك والإله.
وفي ساحة المواجهة والناس مجتمعون وفرعون ينظر حضر موسى وأخاه هارون
عليهما السلام وحضر السحرة وفي أيديهم كل ما أتقنوه من ألعاب وحيل وكلهم ثقة
بفوزهم في هذا التحدي لذا بدئوا بتخيير موسى حيث قال تعالى: {إِمَّا أَن تُلْقِيَ
وَإِمَّا أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى} فقال لهم بل ألقوا أنتم فرمى السحرة
عصيهم وحبالهم بعزة فرعون حيث قال تعالى: {فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ
وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ} فرمى السحرة
بعصيهم وحبالهم فإذا المكان يمتلئ بالثعابين فجأة حيث قال تعالى: {سَحَرُواْ
أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ} وحسبنا هنا أن
يقرر القرآن الكريم أنه سحر عظيم حيث قال تعالى: {وَجَاءوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ}
لندرك أي سحر كان،وحسبنا أن نعلم أنهم سحروا أعين الناس وأثاروا الرهبة في قلوبهم
لنتصور أي سحر كان فنظر موسى عليه السلام إلى حبال السحرة وعصيهم وشعر بالخوف ولكن
في هذه اللحظة بالذات يذكره ربّه بأن معه القوة الكبرى فهو الأعلى ومعه الحق أما
هم فمعهم الباطل ومعه العقيدة ومعهم الحرفة ومعه الإيمان الصادق الذي دفعه لما هو
فيه ومعهم الأجر على المباراة ومغانم الحياة كما أن سيدنا موسى متصل بالقوة الكبرى
وهو الله تعالى بينما السحرة يخدمون مخلوقا بشريا فانيا حتى ولو كان طاغية وجبارا.
وهنا قال تعالى : لا تخف يا موسى وألقي ما في يمينك وستهزمهم فهذا سحر
من تدبير ساحر وعمله والساحر لا يفلح أنى ذهب وفي أي طريق سار لأنه يعتمد على
الخيال والإيهام والخداع ولا يعتمد على حقيقة ثابتة باقية ، فاطمأن موسى ورفع عصاه
وألقاها ولم تكد عصا موسى تلامس الأرض حتى وقعت المعجزة الكبرى وضخامة هذه المعجزة
حولت مشاعر ووجدان السحرة الذين جاءوا للمباراة وهم أحرص الناس على الفوز لنيل الأجر
والذين بلغت براعتهم حد أن يشعر موسى بالخوف من عملهم بحيث لم يسعفهم الكلام للتعبير
حيث قال تعالى: {فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ
هَارُونَ وَمُوسَى} إنه هنا فعل الحق في الضمائر ونور الحق في المشاعر ولمسة الحق
في القلوب المهيأة لتلقي الحق والنور واليقين ، كما إن السحرة هم أعلم الناس
بحقيقة سحرهم ومدى ما يمكن أن يبلغ إليه ، كما وهم أعرف الناس بالذي جاء به موسى ،
وهم أعلم إن كان هذا من عمل بشر أو ساحر أو أنه من القدرة التي تفوق قدرة البشر والسحر
والعالم في فنه هو أكثر الناس استعدادا للتسليم بالحقيقة حين تتكشف له،لأنه أقرب
إدراكا لهذه الحقيقة ممن لا يعرفون في هذا الفن إلا القشور ومن هنا تحول السحرة من
التحدي السافر إلى التسليم المطلق.
وهنا هزت هذه المفاجأة العرش من تحت فرعون وهي مفاجأة استسلام السحرة
- وهم من كهنة المعابد - لرب العالمين رب موسى وهارون وذلك بعد أن تم جمعهم لإبطال
دعوة موسى وهارون لرب العالمين ولأن العرش والسلطان أهم شيء في حياة الطواغيت فهم
مستعدون لارتكاب أي جريمة في سبيل المحافظة عليهما وتسائل فرعون مستغربا حيث قال
تعالى: {آمَنتُم بِهِ قَبْلَ أَن آذَنَ لَكُمْ} كأنما كان عليهم أن يستأذنوه في أن
يعودوا للحق لكنه طاغية متكبر متجبر أعمى السلطان عينيه عن الحق ويزيد في طغيانه
حيث قال تعالى: {إِنَّ هَـذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ
لِتُخْرِجُواْ مِنْهَا أَهْلَهَا} أي إن غلبته لكم في يومكم هذا إنما كان عن تشاور
منكم ورضا منكم لذلك ويظل الطاغية يتهدد ويتوعد حيث قال تعالى:{لأُقَطِّعَنَّ
أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلاَفٍ ثُمَّ لأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ}
لكن النفس البشرية حين تستيقن حقيقة الإيمان تستعلي على قوة الأرض وتستهين ببأس
الطغاة وتنتصر فيها العقيدة على الحياة وتختار الخلود الدائم على الحياة الفانية
حيث قال تعالى: {قَالُواْ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ} فإنه هنا الإيمان
الذي لا يتزعزع ولا يخضع ، وهنا يعلن السحرة حقيقة المعركة حيث قال تعالى: {وَمَا
تَنقِمُ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءتْنَا} فلا
يطلبون هنا الصفح والعفو من عدوهم إنما يطلبون الثبات والصبر من ربهم حيث قال
تعالى: {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِين} فيقف
الطغيان عاجزا أمام هذا الوعي وهذا الاطمئنان ، وعاجزا عن رد هؤلاء المؤمنين لطريق
الباطل من جديد فينفذ تهديده ويصلبهم على جذوع النخل.
كيف نكتسب
الشجاعة:
حتى
يكون الإنسان شجاعًا غير الشجاعة الفطرية التي يُميز الله تعالى فيها بعض الأشخاص
أكثر من غيرهم، لكن يمكن للإنسان أن يكتسب صفة الشجاعة بطرقٍ عدة،
وأهم هذه الطرق أن يدعو الله تعالى وأن يلجأ
إليه في كلّ وقت ويطلب منه أن يكون شجاعًا مقدمًا وأن يمنحه قوة القلب والثبات،
وقد ورد في القرآن الكريم العديد من الآيات التي دعا فيها الأنبياء الله تعالى أن
يمنحهم قوة القلب والشجاعة والثبات خاصة وقت الحروب والشدائد منها قوله تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ
وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ}[١]
كما يصبح الإنسان شجاعًا إذا رسخت في ذهنه
فكرة الإيمان بالقضاء والقدر، وآمن أن لن يصيبه إلا ما كتبه ربّ العالمين، لهذا
يجب أن يقوي الإنسان الوازع الديني في قلبه حتى يملك القدرة على المواجهة، وأن
يواجه التحديات والخطر باليقين التام والتوكل على الله تعالى لهذا فإنّ اكتساب
الشجاعة يكون بتصحيح الفكر والعقل والسعي إلى الشجاعة بعزم وثبات دون الاكتراث لأي
شيء محبط يدعو للجبن.
يمكن
للإنسان أن يكون أكثر شجاعة عندما يتخذ له قدوة حسنة من الشجعان الذين ذاع صيتهم
وكتبت عنهم كتب التاريخ وذكرت قصص شجاعتهم، سواء الشجاعة في الحرب والقتال، أم
الشجاعة في مواجهة الحاكم الظالم، أم الشجاعة في قول الحق مهما كانت الظروف، وبغض
النظر عن كلّ هذه القصص فإنّ كثرة اطلاع الإنسان عليها تمنحه الإلهام الصادق الذي
يدلّه كيف يكون قويًا ولا يخشى أيّ شيء مهما كان، مع ضرورة استخدام الإنسان لعقله
وطريقة تفكيره وأن يكون ذكيًا في المواجهة، ويعرف كيف يفعل ومتى ينسحب ومتى يواجه.
يمكن
أن يصبح الإنسان شجاعًا إذا بحث عن الأشياء التي تحفزه لهذه الصفة، وأن يُشجع نفسه
على القوة والثبات من خلال تقديم المكافآت لنفسه إذا صبر وثبت، خاصة أنّ الإسلام
يحث على أن يكون الإنسان قويًا ثابتًا ومتمتعًا برباطة الجأش التي تجعله يتخطّى
جميع الصعوبات والأحداث دون أي خوف إلا من الله وحده، ولهذا مجد الإسلام الشجاعة
في قول الحق والجهاد في سبيل الله
الشجاعة
مفتاح تحقيق الطموحات والنجاحات في الحياة:
لهذا من المهم جدًا أن يسعى الإنسان
لاكتسابها، ومن طرق اكتساب الشجاعة أيضًا أن يرافق الإنسان الشجعان ويتعلم منهم
ويكتسب من صفاتهم وأخلاقهم، وأن يقرأ قصص الشجعان ومغامراتهم ويأخذ منها العبرة
ويتعلّم كيف يكون شجاعًا وقويًا ومقدامًا ولا يخاف إلّا من الله تعالى وحده.
يصل الإنسان إلى الشجاعة التامة عندما يملك
قناعة داخلية بأن مصدر جميع الأوهام مصدر واهم ليس موجودًا من الأساس، وأنّ
الشجاعة أعلى وأسمى مكانة من الجبن الذي يضع الإنسان في مكانة قليلة ويجعله
متخاذلًا وغير قادرٍ على أن يفعل أي شيء في حياته،
موقف الاسلام من الشجاعة ... الايمان بالله وأثره
على الشجاعة
حث الرسول صلى الله عليه وسلم أمته على الشجاعة
عَلَّم صلى الله عليه وسلم أُمَّته
الاستعاذة من أي خور وجبن؛ فكان صلى الله عليه وسلم يدعو معلمًا أُمَّتَه: «اللَّهُمَّ
إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُبْنِ وَالْبُخْلِ...» (رواه البخاري).
ومن أعظم الميادين التي يُؤَكِّد
عليها النبي صلى الله عليه وسلم ميدان مواجهة الظلم، فيقول:
«أَفْضَلُ
الْجِهَادِ كَلِمَةُ عَدْلٍ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ»
(رواه
أبو داود).
وقال صلى الله عليه وسلم في فضل
الجهاد والإقدام بالنفس والمال:
«لَغَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ
رَوْحَةٌ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» (رواه
البخاري).
وحياته صلى الله عليه وسلم كلها
ومواقفه كلها شاهدة على شجاعته صلى الله عليه وسلم، شجاعة قائمة على يقين وثبات
وأخلاق ومبادئ؛ فكانت شجاعته صلى الله عليه وسلم منبثقة من صدق توكله على ربه،
وقرينة حُسن ظنِّهِ به، وأنه لن يصيب الإنسان إلا ما كُتِب له، شجاعة أخلاقية
تجعله لا يظلم ولا يبغي، وإنما يسخر قوته وشجاعته في نصرة المظلوم وإغاثة الملهوف
والدفاع عن الحق فما أروعها من شجاعة! وما أحوجنا إلى التحلي بها اليوم الشجاعة
والقدرة والقوة لا تعني الظلم أبدً
كيف تقتدي به صلى الله عليه وسلم؟
1-
اعتمد بقلبك على الله وحده وتعلق به مثل رسولك صلى الله عليه وسلم، قال صلى الله
عليه وسلم: «وَاعْلَمْ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ
لِيُخْطِئَكَ، وَمَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ»
(رواه الطبراني).
2-
اقتدِ بالنبي صلى الله عليه وسلم وكن شجاعًا في أقوالك وأفعالك ومواقفك، معتمدًا
على الله الذي بيده ملكوت كل شيء.
3-
قف مع المظلوم وواجه الظالم، واعلم أنه لن يصيبك إلا ما كتب الله لك، فالشجاعة لا
تُنقِص عُمْرًا ولا تحجب رزقًا
4- تابع، سيدنا عمر ضرب المثل الأكبر في إنصاف المظلومين، وكان ينفذ مقولة
أبى بكر القوى فيكم ضعيف عندي حتى أخذ الحق منه، والضعيف منكم قوى حتى أتى الحق له
.
5-
لتكن شجاعتك كشجاعته صلى الله عليه وسلم وإياك والبغي أو الظلم، واعلم أن الشجاعة
الحقيقية تتنافى معهما.
6- كن شجاعًا وابذل عمرك
ومالك في نشر هديه صلى الله عليه وسلم وتعليم سُنَّته صلى الله عليه وسلم ونشر
الدين الذي أتى به صلى الله عليه وسلم
الشجاعة سلوك فطري ومكتسب
الشجاعة ليست غياب للخوف ولكن القدرة على مواجهة المصاعب برباطة جاش فالذي
خاف ولم يهرب هو شجاع
الشجاعة مش أنك تدور على المشاكل والبلطجة الشجاعة في الاستعداد لمواجهة
الصعاب
الشجاعة لها شق فطري وشق مكتسب والشق المكتسب
سبق ان شرحناه في اركان الشجاعة
الكورتيزول يحدد طبيعة البشر بين الشجاعة
والجبن
قال علماء إن هرمون الضغط النفسي كورتيزول (cortisol) هو الذي يرجح طبيعة الإنسان نحو الشجاعة أو
الجبن وقال الباحث دين أيكنز أستاذ الطب النفسي في جامعة ييل الأمريكية إن هذه
النظرية ربما تلقي الضوء على موقف وتصرّفات ربّان الطائرة الأمريكي تشلسي
شيلنبيرغر، الذي تجنّب كارثة جوية محققة في يناير/كانون الثاني الماضي عندما هبط
بطائرته فوق نهر هدسون في نيويورك من دون أن يصاب أيّ من ركابه بأذى.
قال أيكنز إن هناك أشخاصاً عندما يواجهون
ضغوطاً نفسية شديدة جداً، تعمل هرموناتهم بشكل فريد، لافتاً إلى أن نشاط هذه
الهرمونات لا يصل إلى مستوى الذروة ذاته عند جميع الناس، فنحن مثلاً على استعداد
للصراخ عندما نكون جالسين في مقاعدنا ولكن هناك أشخاص لا يواجهون ضغوطاً نفسية
ويبقون هادئين.
وبيّنت الدراسة أن بعض الجنود الذين وضعوا في
ظروف تحاكي ظروف المعارك التي يتخللها خطر شديد كانوا هادئين، ولم يعمل هرمون
كورتيزول عندهم بشكل قوي جداً، كما هي الحال بالنسبة إلى نظرائهم الذين شعروا
بالرهبة والخوف.
وقال أيكنز في الدراسة التي قدمها إلى
المؤتمر السنوي لجمعية تقدّم العلوم إن البعض يولدون أبطالاً، مشيراً إلى أن ثمة
من يكون أكثر هدوءاً من غيره في الظروف الخطرة والتي يتعرضون فيها لخطر شديد، لكنه
استدرك بالقول لكننا بالطبع لا نريد من الناس المشي في ساحة المعركة.
وأضاف أن الجيوش تعتبر أن الجندي المثالي هو
الذي لا يخاف ولكننا بحاجة لأن نشعر بالخوف كي نبقى أحياء ومعرفة ما إذا كنا في
ظروف خطرة أو لا.
يذكر أن دراسات سابقة بينت أن المستويات
العالية من الكورتيزول تساعدنا على إزاحة المشاعر والذكريات المؤلمة مما يجعلنا
أكثر قدرة على التعامل مع المواقف المجهدة بشكل فعال.
وقام الباحثون بقيادة البروفيسور دومينيك دي
كويرفين من جامعة زيوريخ بدراسة ما إذا كانت الزيادة الصناعية لمستويات الكورتيزول
تساعد مرضى الرهاب على التغلب على الخوف المسبب للشلل الذي يشعرون به عند مواجهة
مصادر قلقهم.
وقد أُجري الاختبار على 40 مصاباً برهاب
المجتمع (social
phobia)
و20 مصاباً بالخوف من العناكب (spiders).
حيث أعطي الكورتيزول لنصف هؤلاء، ثم وبعد ساعة أُرغم المتطوعون على إلقاء عرض
تقديمي والخضوع لامتحان مرتجل في الرياضيات، أو أُجبروا على مشاهدة صورة لعنكبوت
ضخم.
وعلى مقياس من 0 - 10 أبدى المشاركون الذين
تناولوا الكورتيزول خوفاً أقل وبشكل معتد (significantly) من هؤلاء الذين تناولوا البلاسيبو (placebo) وقد نشرت نتائج هذه الدراسة في مجلة محاضر
الاكاديمية الوطنية للعلوم. واشار دي كويرفين إلى أن الخطوة التالية ستكون إعادة
الدراسة على عدد أكبر من الناس وربطها بالتقنيات السلوكية (behavioral techniques).
1- رجال شجعان
خلد اسمائهم في صفحات التاريخ:
لقد جاء الإسلام نورا لظلمة الجاهلية، وكان
القتال فيه من أجل إظهار الحق، وابتغاء لوجه الله تعالى، وحفل التاريخ الإسلامي
بالكثير الكثير من الابطال الشجعان، والأقوياء الذين يذخر بهم التاريخ الإسلامي،
ويعتبر أكثرهم قوة وأشجعهم:
محمد صلى الله عليه وسلم:
شجاعة رسول
الله صلى الله عليه وسلم في ميدان القتال يوم حنين
مواقفه البطولية في ميدان القتال تشهد له صلى
الله عليه وسلم بشجاعة منقطعة النظير، ومن ذلك ما كان يوم حنين حيث انهزم أصحابه
وفروا لصعوبة مواجهة العدو، فبقي صلى الله عليه وسلم في الميدان وحده -وهو قائد
الجيش- يجول ويصول وهو على بغلته ثم نزل وهو يعلن عن نفسه فيقول: «أَنَا
النَّبِيُّ لَا كَذِب.. أَنَا ابْنُ عَبْدِ المُطَّلِب»، حتى قال الصحابي: «فَمَا
رُئِيَ فِي النَّاسِ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ كَانَ أَشْجَعَ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله
عليه وسلم» (رواه البخاري). وما زال في المعركة وهو يقول: «إليَّ عبادَ الله!!»
حتى عاد أصحابه إليه وعاودوا الكَرَّة على العدو؛ فهزموه في الساعة.
شجاعة الرسول صلى الله عليه وسلم في مواجهة
الظالمين والجبابرة:
الشجاعة خُلقٌ فطريٌّ زُرِعَ في قلبه صلى
الله عليه وسلم منذ نشأته الأولى، فمارسها صلى الله عليه وسلم دون تردُّد أو خوف،
وتتجلَّى شجاعته صلى الله عليه وسلم في مواقف عديدة من أهمها: اعتراضه على الظلم،
ووقوفه في وجه الظالم دون تردُّد أو خوف.
فيروي ابن هشام: (أن رجلًا غريبًا (عابر
سبيل) قدم مكة بإبل له، فابتاعها منه أبو جهل فمطله بأثمانها، فأقبل الرجل الغريب
حتى وقف على نادٍ من نوادي قريشٍ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في ناحية المسجد
جالسٌ، فقال: يا معشر قريشٍ، من رجلٌ يؤدِّيني على أبي الحكم بن هشام؛ فإني رجل
غريب ابن سبيل وقد غلبني على حقِّي؟
قال: فقال له أهل ذلك المجلس: أترى ذلك الرجل
الجالس - رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يهزءون به لما يعلمون ما بينه وبين أبي
جهلٍ من العداوة- اذهب إليه فإنه يؤدِّيك عليه.
فأقبل الرجل حتى وقف على رسول الله صلى الله
عليه وسلم فقال: يا عبد الله، إن أبا الحكم بن هشامٍ قد غلبني على حقٍّ لي
قِبَلَه، وأنا رجل غريب ابن سبيل، وقد سألتُ هؤلاء القوم عن رجلٍ يؤدِّيني عليه،
يأخذ لي حقِّي منه، فأشاروا لي إليك، فخذ لي حقِّي منه يرحمك الله.
قال صلى الله عليه وسلم: «انْطَلِقْ
إلَيْهِ». وقام معه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلمَّا رأوه قام معه، قالوا لرجل
ممَّن معهم: اتبعه فانظر ماذا يصنع. قال: وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى
جاءه فضرب عليه بابه، فقال: من هذا؟ قال صلى الله عليه وسلم: «محمد، فاخرج إليَّ».
فخرج إليه وما في وجهه من رائحةٍ قد تغير لونه، فقال صلى الله عليه وسلم: «أَعْطِ
هَذَا الرَّجُلَ حَقّهُ».
قال: نعم، لا تبرح حتى أعطيه الذي له. قال:
فدخل فخرج إليه بحقِّه فدفعه إليه. قال: ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وقال صلى الله عليه وسلم للرجل: «الْحَقْ بِشَأْنِكَ». فأقبل الرجل حتى وقف على
ذلك المجلس فقال: جزاه الله خيرًا، فقد -والله- أخذ لي حقِّي) (السيرة النبوية
لابن هشام).
الشجاعة ليست في القتال والمعارك فقط، بيِّن
شجاعته صلى الله عليه وسلم في غير القتال.
علي بن أبي طالب
لقد كان علي بن ابي طالب رضي الله عنه من
أشجع فرسان العرب واكثرهم قوة، حيث شارك في جميع الغزوات مع رسول الله صلى الله
عليه وسلم، عدا غزوة تبوك لأن الرسول الكريم أمنه على أهله، وهذا يدل على ثقة
الرسول الكريم في علي بن ابي طالب وفي قوته وشجاعته.
وعند ذكر شجاعة وقوة علي، يأتي موقف مبارزته
مع عمرو بن ود الذي يعتبر من اقوى فرسان العرب، إذ سأل الرسول عن أحد يقاتل عمرو،
فإن يرد أحد وتقدم علي بن ابي طالب، وبارزه كأسد يركض تجاه فريسته، وارداه قتيلا،
وغيرها من الأحداث الدالة على شجاعة علي بن ابي طالب.
خالد بن الوليد
وهو خالِد بن الوليد بنُ المُغيرة المَخزُومي
القُرَشي، الذي كان له الدور الاول في التغلب على المسلمين في غزوة أحد، بدهائه
وقوة قيادته، دخل الإسلام بعد صلح الحديبية، وشارك في العديد من الغزوات التي كان
له الفضل في نجاحها.
اشتهر خالد بقوته وعبقرتيه في التخطيط
الاستراتيجي للحروب، فكان يعتمد على الهجوم ضد الأعداء حتى يفقدهم الثقة في أنفسهم،
وكان لا يهاب الموت، والقتال فلم يدخل في معركة الا وربحها على مدى مئة معركة،
فأطلق عليه الرسول صلى الله عليه وسلم لقب سيف الله المسلول.
حمزة بن عبد المطلب
وهو حَمْزة بن عبد المطلب الهاشميّ القرَشيّ،
أسد الله، وسيد الشهداء، عُرِف حمزة بن عبد المطلب في الجاهلية بقوته وشدته وشجاعته،
فكان أول تدريب له على القتال في حرب الفجار التي دارت بين قبيلة قيس غيلان وقبيلة
كنانة، وكذلك عرف في الاسلام بقوته وشدته.
قُتل حمزة بن عبد المطلب في غزوة أُحد التي
شهد المسلمون فيها خسارة فادحة لعدو أسباب كان منها ذكاء خالد بن الوليد، وعدم
التفات المسلمين لأوامر الرسول صلى الله عليه وسلم، وقُتِل حمزة على يد” حبشيّ”
بأمر من هند بنت عتبة وجبير بن مطعم، وأخذ كبد حمزة وأعطاه لهند فأكلته ولكنها لم
تستطع أن تمضغه، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم أنها لو استطاعت ولو نزل كبد حمزة
في بطنها لن تمسها النار.
عمر بن الخطاب
لقد عرف عمر بن الخطاب بقوته وبطشه الشديدين،
وكان يهابه اهل قريش جميعا، واعز الله به الاسلام، فسأل عمرا الرسول صلى الله عليه
وسلم بأن يجهروا بالإسلام، ولم يجرأ المشركين بإيذاء اي من المسلمين بعد أشهر عمر اسلامه،
فكان لا يهاب احدا، وخاض مع الرسول صلى الله عله وسلم العديد من الغزوات والحروب،
وأطلق عليه الفاروق لتفرقته بين الحق والباطل، ولعدله الذي اتسم به.
المصادر:
1. https://www.albayan.ae/health/life/2011-02-02-1.1157440
2. موضوع تعبير عن الشجاعة - سطور (sotor.com)
3. اقوى فرسان العرب .. وأشجعهم | المرسال (almrsal.com)
4. شجاعة
الرسول وشمائله وأخلاقه صلى الله عليه وسلم - مع الحبيب (withprophet.com)
5. أيمن
حسن - ويكيبيديا (wikipedia.org)
6. الكورتيزول يحدد طبيعة البشر بين الشجاعة والجبن | صحيفة الخليج (alkhaleej.ae)
الشجاعه انبل صفات الرجال
ردحذف